Thursday, May 23, 2013

ترجمتي الرديئة لمقدمة كتاب دان براون الجديد "الجحيم"

أنا الظل.
عبر المدينة الحزينة أفر.
عبر الأسى الأبدي أنطلق.
بجوار ضفاف نهر أرنو أندفع بلا نَفَس…أنعطف يساراً إلى شارع كاستيلاني، أتجه شمالاً، جالسٌ في أحضان ظلال متحف أوفيزي.
 و ما زالوا يلاحقوني.
خطوات أقدامهم تثقل في وقعها الآن وهم يطاردوني بعزم لا هوادة فيه.
تعقبوني لسنوات عدة. إصرارهم أبقاني تحت الأرض…أجبرني على المعيشة في المطهر…أكدح تحت الأرض كوحش من عالم سُفلي.
أنا الظل.
هنا فوق الأرض، أرفع عيناي بإتجاه الشمال، لكنني لا أستطيع أن أجد مسار مباشر إلى الخلاص…فجبال الأبينيني تحجب أوائل ضوء الفجر.
أعبر من وراء قصر ذو برج مسور بفتحات و ساعة ذات عقرب واحد…أتلوى من بين بائعي الصباح الباكر في ساحة سان فيرنزي و أصواتهم الأجشة تبث رائحة اللامبريدوتو و الزيتون المحمص. أمُرُّ قبالة البارجيلو، و أقطع الطريق غرباً بإتجاه برج باديا و أصطدم بقوة بالبوابة الحديدية عند قاعدة السلالم.
هنا يجب ترك أي تردد ورائي.
أدير المقبض و أخطو إلى الممر الذي أعرف أنه لا عودة منه. أحث ساقيَْ الشاحبتين على ركوب سلم الدرج الضيق…و الذي يتصاعد عالياً على خطى مكونة من رخام لَيِّن، منقرة و بالية.
الأصوات ترتد من الأسفل. تتضرع.
إنهم ورائي، لا يتزعزعون، يضيقون الخناق.
إنهم لا يفهمون ما سيأتي…و لا ما فعلته من أجلهم!
أرض ناكرة للجميل!
و أنا أتسلق، تأتي الرؤى بشدة…الأجسام الشهوانية تتلوى في المطر الملتهب، الأرواح الشرهة تطفوا في الفضلات، الأشرار الغادرون مجمدين في قبضة الشيطان المثلجة.
أتسلق آخر السلالم و أصِلُ إلى الأعلى، أترنح شبه ميت إلى هواء الصباح الرطب. أندفعُ إلى الحائط الرفيع حتى مستوى الرأس، أُدهم النظر من خلال الشقوق. المدينة المباركة بالأسفل، تلك التي اتخذتها ملجأ لي من الذين نفوني.
الأصوات تنادي، قادمة و تقترب ورائي. "ما فعلته ضرب من الجنون!".
الجنون يولد الجنون.
"لمحبة الله"، يصرخون: "أخبرنا أين قمت بإخفاءها!"
لمحبة الله بالتحديد لن أفعل.
أقف الآن محاصر، ظهري إلى الحجر البارد. يحملقون بعمق في عيناي الخضراوتين، و يعبسون بوجوههم، توقفوا عن المداهنة، و أمسوا بالتهديد. "أنت تعرف أنه لدينا أساليبنا. نستطيع أن نجبرك على إخبارنا بمكانها".
و لهذا السبب، تسلقت نصف الطريق إلى الجنة.
دون سابق إنذار، استدرت و أمسكت بالأعلى، مثنياً أصابعي على الحافة العالية، رافعاً نفسي، ملتوياً على ركبتاي، ثم واقفاً…أتقلب عند الهاوية. إهديني يا فيرجيل العزيز عبر الفراغ.
ينطلقون إلى الأمام غير مصدقين، يريدون الإمساك بقدميَّ، لكن خائفون من التخليل بتوازني و إسقاطي. إنهم يتوسلونني الآن، بيأس هادئ، لكنني أدرت ظهري لهم. أعرف ما يجب فعله.
تحتي، بعيداً في الأسفل بشكلٍ مذهل، الأسطح ذوات القرميد الأحمر تنتشر كبحرٍ ناريٍ في الريف، يضيء الأراضي الناعمة التي جابها عظماء ذات يوم…جيوتو، دوناتيلو، برونيليشي، مايكلانجيلو، بوتيتشيلي.
أُقَرِّبُ أصابع قدميَّ إلى الحافة.
"إنزل!"، يصرخون: "لم يفت الأوان بعد!"
يا أيها الجهلاء المتعمدين! ألا ترون المستقبل؟ ألا تدركون روعة ما خلقته؟ الحاجة منه؟
سأقوم بهذه التضحية الكبري بكل سرور…وبها سأطفئ أملكم الأخير في إيجاد ما تسعون له.
لن تعثروا عليه في الوقت المناسب.
في مئات الأقدام بالأسفل، يومئ القصر المرصوف بحصى مثل الواحة الساكنة. كم أشتاق للمزيد من الوقت…لكن الوقت هي السلعة الوحيدة التي حتى ثروتي الطائلة لا تتحمل تكاليفها.
في هذه الثواني الأخيرة، أحدق في القصر بالأسفل، و ألمح منظرٌ يباغتني.
أرى وجهك.
أنت تحملق بي من الظلال. عيناك حزينتان، لكني أحس بتبجيل فيهما لما حققته. أنت تفهم أنه ليس لدي خيار في الأمر. لمحبة البشرية، يجب أن أحمي تحفتي.
إنها تكبر حتى الآن…تنتظر…تغلي تحت مياه ذات حمرة الدماء في بحيرة لا تُظهِرُ انعكاس النجوم.
و هكذا، أرفع عيناي من عينيك و أتأمل الأفق. عالياً فوق هذا العالم المهموم، أقوم بإبتهالي الأخير.
اللهم إني أدعو أن يتذكر العالم إسمي ليس كآثم متوحش، لكن كالمخلص العظيم الذي تعرفه حق المعرفة. أدعو أن تفهم البشرية الهدية التي أتركها خلفي.
هديتي هي المستقبل.
هديتي هي الخلاص.
هديتي هي الجحيم.
و بهذا، أهمس آمين…و أتخذ خطوتي الأخيرة، إلى الهاوية.

2 comments:

  1. ابداع منقطع النظير ومفردات منتقاة بعناية.
    لم تنفتئ عن ابهاري

    ReplyDelete