تأبطّ التحري
(ليون) مشعله الكهربائي حالما أهمّ بفتح باب المستودع المهجور الواقع على
أطراف المدينة الكبيرة. داعب مسدسه المبلل والذي كان يلمع في تلك الليلة
الماطرة بأطراف أصابع يده اليمنى، وباليسرى أقدم على لف مقبض الباب الرئيسي
للمبنى باحثاً عن ضالته المنشودة.
تلقى التحري مكالمة قبل تلك اللحظة بساعتين، وكانت تلك المحادثة كفيلة بإطلاق العنان لسلسلة الأحداث اللاحقة.
***
"التحري (ليون). من يكلمني؟" قال فور ضغطه على الزر الأخضر الافتراضي.
"سيد (ليون). أرجو منك أن تأخذ هذه المحادثة في غاية الجدّية. فما سأقوله لك الآن ليس مجرد عبث أو استهزاء."
كان الصوت أجشّاً كما لو أن صاحبه قضى الأربعين عاماً الماضية في التدخين. لم يعرف (ليون) إن كان الصوت هو ما أرهبه أم مضمون تلك العبارة.
"بعهدتي زوجتك يا (ليون). إياك وأن تخبر زملائك في المخفر وإلا فستكون العواقب وخيمة،" أكمل الصوت الأجش حديثه بنبرة مطمئنة.
اقشعر بدنه لبرهة قبل أن يرد عليه بأكبر قدر من الهدوء.
"وكيف لي أن أصدق كلامك يا هذا؟ لم تخبرني حتى بماذا تطالب."
"اسم زوجتك (كريستي) وعنوان منزلك ٢٢ شارع الجامعة."
"من الممكن الحصول على هذه المعلومات ببحث بسيط في (غوغل). لا أملك الوقت لهذا الهراء،" قال (ليون) قبل أن ينزل الهاتف من على جانب وجهه. كان على وشك انهاء المكالمة عندما سمع صوتاً مألوفاً له.
"(طوماس) أرجوك انقذني!"
وقع الهاتف من على يده واستقر على مقعد الراكب المرافق بعدما سمع صرخة يندى لها الجبين. ثم حمله بذعر وصرخ هو بدوره.
"(كريستي)! هل أنت بخير؟ أجيبيني!"
"هل اقتنعت الأن؟" عاد الصوت الأجش للحديث معه.
"تباً لك! ماذا تريد منّا؟!" قال (ليون) وهو يستشيط غضباً.
"هدئ من روعك يا صديقي. لا أريد منك مالاً ولا أن ترتكب جرماً لأجلي. إن أردت معرفة هدفي، فقم بزيارة أكبر مستودع في ضواحي المدينة والذي يقع على النهر مباشرة."
"إن أذيتها ولو بقلع شعرة من رأسها الطاهر، فسوف أتلذذ بالرقص على جيفتك العفنة!"
"لقاؤنا قريب، سيد (ليون)،" قال (الصوت) قبل انهاء المكالمة.
"ألو؟ ألو! اللعنة!" صرخ (ليون) قبل أن يدير سيارته إلى الجهة الأخرى من الطريق العام بشكل غير قانوني وضغط على دواسة الوقود بكل ما تؤتيه من قوة.
***
قام باشعال النور المحمول في يده وأوصد باب المستودع من خلفه. حاول أن يجفف معطفه الأسود الطويل وعصر قبعته ساعياً لبعض الدفء.
كانت رائحة الهواء عبقة بداخل المبنى وشارف التحري على الاختناق. استخدم ذراعه ككمامة واستصعب الرؤية قليلاً فقد كان هناك ضباب غريب يعيق نظره وحركته.
ما بين الضباب وهرولة الجرذان المبلية بالطاعون، لمح (ليون) درجاً يؤدي إلى الطابق الثاني والذي كان منيراً. رأى جداراً تتخلله نوافذ مضيئة ولكنه لم يستطع رؤية ما كان بالداخل.
العثرة المقبلة كانت صناديق كرتون مرتبة على هيئة سور. شرع في تسلق كل واحدة منها حتى وصل إلى أعلاها. في الجهة المقابلة، نظر للأسفل ليرى كرتون ضخم ومفتوح معبأ بقطع من الفلّين المستخدمة لشحن المنتجات. لم يكن لديه المجال للتسلق نحو الأرض فقد كان على ارتفاع طابق على الأقل.
أخذ نفساً عميقاً ثم قفز.
"يا له من وغد مراوغ،" قال (ليون) في قرارة نفسه.
شرع في ركوب الدرج وهو يفرز قطع الفلّين من ملابسه. خطا أول خطوة وأحس كأنه على وشك الانزلاق.
أمسك (ليون) بالجدار وتفحص الدرجات عن كثب. انبعثت منها رائحة الصابون، وتيقن من بللها. أكمل طريقه بحذر لكي لا يكسر عنقه. تساءل في ذهنه عمّا إذا كان صاحب الصوت مختلاً لكي يلجأ إلى مثل هذه الألاعيب الصبيانية.
وصل (ليون) إلى الباب وفي هذه اللحظة سيطرت عليه رغبة جامحة في إراقة الدماء. قبل أن يفتحه، تأكد من سلامة مسدسه في حال حاجته له.
اقتحم الغرفة بعنف، وحدّق في منتصفها. كان المنظر مهولاً ومروعاً لدرجة أنه أدّى لسقوط سلاحه على الأرض. لأقل من ثانية، تجمدت الدماء في عروقه. ما لبث وأن تخضبت السجادة بدموعه المنهارة بغزارة ووقع على ركبتيه.
***
"مفاجأة!" صرخ جمع غفير من عائلة (ليون) وأصدقائه حاملين كعكة عيد ميلاد تحتوي على مثلجات بنكهة الشوكولاة تزينها أربعين شمعة، ثم شرعوا في الغناء له.
"كل عام وأنت بخير يا صديقي،" قال له أعز أصحابه وهو يمدّه بحضنة. "أم هل يجدري بي أن أقول (يا صديقي)؟" قائلاً تلك الكلمتين بصوت أجش.
"حبيبي (طوماس)،" أتت زوجته لتقبّله ثم تحضنه هي الأخرى.
لم يؤثر هذا كله في (ليون)، فقد ظل على نفس الهيئة والوجه المصدوم الخالي من المشاعر، ساكناً مثل الصنم الحجري.
"اللعنة عليكم يا رفاق،" قال بصوت هادئ. "أحبكم، ولكن اللعنة عليكم."
-النهاية-
I really didn't expect that ending at all.. I was preparing myself for bloody fights and gunshots
ReplyDeleteI really liked it specially the last part